الاثنين، 24 أغسطس 2020

عن كتاب يهدئ العاصفة ، الانطلاق الروحي


« كما يحرّك النسر عشه وعلى فراخه يرف ويبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه هكذا الرب وحده اقتاده [ أي اقتاد شعبه ] » ( تث ٣٢ : ١١ ، ١٢ ) ..

هذا المشهد يصف ما تفعله النسر الأم مع فراخها الصغيرة لكي تُجبِرها على استخدام أجنحتها والتحليق بها في السماء للمرة الأولى ، تُحرِّك الأم العش بقوة كما لو كانت ستدمره !! في هذه اللحظة تدرك الفراخ أنها في خطر محقق ، سيهوي العش بها من علوّه الشاهق إلى سطح الأرض .. في الحال تُحرِّك أجنحتها لتطير لتنجو بنفسها من الموت ..

وتطير النسر الأم بجوار هؤلاء الصغار حتى إذا حدث وتعثّر واحد منها في طيرانه أو أصابه الإعياء أسرعت وحملته على جناحيها العملاقين ..

لقد قدّم لنا سفر التثنية هذا المشهد ليُعبِّر به عما فعله الرب بشعبه أيام موسى النبي ، لقد حرّك الرب عش أرض مصر بقوة حتى يُجبِر شعبه على التخلي عن هذا العش الذي ارتبط به أربعمائة عام ..

ترك الرب فرعون الملك المُستبد يضغط بقسوة بالغة وبعنف زائد على الشعب حتى تاق إلى الخروج من مصر .. ثم أرسل عشر ضربات على فرعون والمصريين كي يدفعوا الشعب للرحيل الفوري ، يقول سفر الخروج إنهم بعد الضربة العاشرة ألحّوا على الشعب أن يخرج عاجلاً من أرضهم ( خر ١٢ : ٣٣ ) ..

وهكذا أجبر الرب شعبه على ترك عش مصر والسير في البرية متجهاً إلى أرض كنعان .. أرض التمتع والمجد ، الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً ..

ولم يترك الرب شعبه وهو في البرية ، ففي وقت الاحتياج كما يقول سفر التثنية كان يحمله مثلما تحمل النسور فراخها على مناكبها ..

قد يحرك الرب عشك المستقر ( عملك ، علاقاتك ، مكان إقامتك ، ظروف معيشتك ) إذا رآك مرتبطاً بهذا العش ارتباطاً مريضاً يعوقك عن الانطلاق إلى كنعان ، إلى حياة التمتع الحقيقي والمجد ..

نعم قد يُحرِّك عشك المستقر ، قد يهزه بقوة كما لو كان يريدك أن تسقط وترتطم بالأرض الصلبة وتتحطم .. لا ، ليس هذا قصده على الاطلاق ، أنت نسره الصغير الذي يحبه بلا حدود .. لا ، لن يهز عشك لتسقط وتتحول إلى أشلاء بل لكي يُجبِرك على الانتقال إلى مرحلة جديدة يعطيك خلالها تمتعاً أعظم في أمور الروح ، وقد يكون هدفه أن تقوم بدور معين في ملكوته ، دور أنت تتهرب منه بسبب الخوف أو لأي سبب آخر .. يهز عشك لكي يدفعك دفعاً إلى استخدام الإيمان .. الإيمان بأنه معك وأنه سيعوضك التعويض الكامل عن العش الذي فقدته أو ستفقده .. إنه يريدك أن تبسط جناحيّ الإيمان لتُحلِّق بهما كالنسور الصغيرة التي اهتز عشها لكي تبدأ حياة النسور الكبيرة ..

ولن يتركك الرب في هذه المرحلة الصعبة ، فلا تكتفي النسر الأم بهز عش فراخها إنها تُحلِّق بجوارها حتى تحملها عند الضرورة .. إنه معك يحملك عند الاحتياج ، لا تنس أبداً كلماته :

« أنا أرفع وأنا أحمل وأنجي » ( إش ٤٦ : ٤ ) ..